قد يقول قائل :
لماذا اخترتُ معاوية بن أبي سفيان فخصَصَتُهُ بالحديث دون غيره ؟
والجواب على ذلك هو:
أن أحد التابعين قال قولةً مشهورة، وهي قوله:
إن معاوية بن أبي سفيان سِتْرٌ لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فمن كشف السِّتْرَ اجترأ على ما وراءه .
فالذي يجرُؤ على أن يتكلم في معاوية رضي الله عنه بكلام لا يليق
فإنه من السهل عليه أن يتكلم في غيره ،
ولم يكن الأمر مقتصراً عليه بل تجاوزه إلى من هو خير منه ومن هو أفضل منه،
بل إلى من هو أفضل البشر بعد الأنبياء والمرسلين:
أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه وأرضاه
ثم عمر الفاروق ، رضي الله عنه وأرضاه
ثم عثمان بن عفان ، رضي الله عنه وأرضاه
ثم علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه وأرضاه
وغيرهم من الصحابة .
وفي الحقيقة أن ما حصل لهم من كلام يليق بهم فهم أهله،
وهو اللائق بهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم،
وهو مَحْمَدَةٌ لمن تكلّم به ولمن حصل منه؛
ولهذا كان هؤلاء الأسلاف الذين تكلموا في حق أولئك الأخيار رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم
ذكرهم دائماً وأبداً على الألسنة،
يذكر كلامهم الجميل، ويترحم عليهم، ويثنى عليهم؛
لكونهم قاموا بما يجب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين .
أما من تَكلم فيهم بكلام لا ينبغي فهو في الحقيقة لم يضرُّهم وإنما ضر نفسه،
وذلك أنهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم قَدِموا على ما قَدَموا، وقد قدَموا الخير الكثير،
وقد قدموا الأعمال الجليلة التي قاموا بها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ورضي الله تعالى عنهم،
فالذي يتكلم بهم بما لا ينبغي هو في الحقيقة لا يضرهم وإنما يضر نفسه،
بل هم يكون ذلك زيادةً في حسناتهم، ورفعةً في درجاتهم؛
لأنه إذا تُكلِّم فيهم بغير حق فإن المتكلم بغير حق إذا كانت له حسنات
فإنهم يأخذون من حسناته ويضاف إليهم من حسناته إذا كان له حسنات،
فيكون ذلك رفعة في درجاتهم،
وإن لم يكن له حسنات فإنه
(لا يضر السحاب نبح الكلاب)
كما يقولون .
والله سبحانه وتعالى لما أرسل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، وختم به الرسالات،
وجعل رسالته صلى الله عليه وسلم كاملة شاملة خالدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها،
خصه الله سبحانه وتعالى بأصحاب فاختارهم لصحبته، فشاء أن يوجدوا في زمانه،
ووُجِدُوا وقاموا بما أمكنهم من جِدٍّ واجتهاد في الجهاد معه في سبيل الله،
ونشر دعوته ونشر سنته، وتلقّي ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام،
فصاروا هم الواسطة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين من جاء بعدهم،
ومن يقدح فيهم إنما يقدح بالواسطة التي تربط المسلمين برسول الله صلى الله عليه وسلم،
فالذي يقدح فيهم يقدح بالصلة الوثيقة التي تربط الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذن حصل لهم ميزة وخصِّيصة، وهي أنهم اُخْتِيروا لصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فشرَّفهُم الله في هذه الحياة الدنيا بالنظر إلى طلعته،
وما حصل ذلك لأحد سواهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم .
وشرفهم الله سبحانه وتعالى بأن سمعوا كلامه من فمه الشريف صلى الله عليه وسلم،
فتلقوا هذا الخير وهذا النور وهذا الهدى، وأدَّوه إلى مَن بعدهم،
فكل إنسان يأتي بعدَهم فلهم عليه مِنّة، ولهم عليه فضل؛
لأن هذا الهدى وهذا النور وهذا الخير الذي حصل لهم
لم يحصل إلا بواسطة أولئك الأخيار رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم .
وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال:
(من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً،
ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)،
فهذا الحديث الشريف لأصحاب رسول صلى الله عليه وسلم منه القسط الأكبر والحظ الأوفر؛
وذلك لأنهم هم الذين تلقوا هذا الهدى وهذا النور من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وأدوه إلى من بعدهم،
فكل من استفاد منه فلهم مثل أجره إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
وقبلهم رسول الله صلوات الله وسلامه عليه،
الذي جاء بهذا الخير وهذا الهدى،
فكل من اهتدى وكل من استفاد وكل من دخل في دين الله وعمل صالحاً
فإن الله يثيب نبيه صلى الله عليه وسلم بمثل ما يثيب به ذلك العامل،
من غير أن ينقص من أجر العامل شيء؛
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي دعا الناس إلى هذا الهدى،
فله مثل أجور كل من استفاد خيراً بسببه صلوات الله وسلامه عليه.
وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
لهم القسط الأكبر والحظ الأوفر من ذلك لأنهم
هم الذين تلقوا هذا النور وهذا الهدى وأدوه إلى من بعدهم
فهم الذين جمعوا القرآن،
وهم الذين حفظوه،
وهم الذين أوصلوه إلى من بعدهم،
وهم الذين تلقوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورضي الله تعالى عنهم حتى أدوها إلى من بعدهم،
فصار لهم الثواب الجزيل،
والأجر العظيم،
ولهم الحظ الأوفر من دعوة الرسول صلوات الله وسلامه عليه
في الحديث الصحيح الذي قال فيه:
(نضّر الله امرأً سمع مقالتي، فوعاها وأداها كما سمعها)،
فإنهم هم الذين سمعوا منه مباشرة وبدون واسطة،
وهذه خصِّيصة حصلت لهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
إذاً:
فإن هؤلاء الأخيار وهؤلاء الأسلاف
هم الصلة الوثيقة التي تربطنا برسول الله صلى الله عليه وسلم،
ومن قدح بهؤلاء الذين هم الواسطة ؛
فقد قطع الصلة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وكفى بذلك ضلالاً وخذلاناً والعياذ بالله! ......
جزء من محاضرة
للعلامة المحدث
الشيخ عبدالمحسن العباد حفظه الله
المدرس بالمسجد النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة والسلام
وهذا نص المحاضرة كاملة
وهذا نص المحاضرة كاملة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق